**أبوية الإرث الفلسطيني في فيلم "شكراً لأنك تحلم معنا"**
في المشهد السينمائي الفلسطيني، الذي طالما
ارتبط اسمه بسرديات المقاومة والصمود في وجه الاحتلال، يأتي فيلم "شكراً لأنك
تحلم معنا" للمخرجة ليلى عباس كصوت سينمائي مختلف، يجرؤ على تحويل العدسة من
الخارج السياسي إلى الداخل الاجتماعي، ليقدم قراءة عميقة ونقدية للبنى الأبوية
المتجذرة في قلب المجتمع الفلسطيني، متخذاً من قضية الإرث نافذة يطل منها على
عوالم شخصية معقدة ومشاعر إنسانية مكبوتة.
![]() |
**أبوية الإرث الفلسطيني في فيلم "شكراً لأنك تحلم معنا"** |
1. كيف
يختلف فيلم "شكراً لأنك تحلم معنا" في تناوله للشخصية الفلسطينية عن
الأفلام التقليدية الأخرى؟
2. ما
هي القضية الاجتماعية المحورية التي يسلط الفيلم الضوء عليها من خلال صراع
الأختين؟
3. بعيداً
عن النزاع المادي، كيف تطورت العلاقة بين الأختين خلال سعيهما للحصول على الإرث؟
4. ما
هي أبرز سمات الأسلوب الإخراجي للمخرجة ليلى عباس في معالجة قضية حساسة كالإرث؟
الشخصية الفلسطينية
عادةً ما تُختزل الشخصية الفلسطينية على الشاشة في إطارها الجمعي، كرمزٍ لـ "القضية" الكبرى. الفرد يصبح مجرد ترس في آلة النضال، وتُهمَّش هواجسه اليومية وأحلامه الشخصية بوصفها ترفاً لا يليق بواقع الصراع. لكن ليلى عباس
- في أول أعمالها الروائية الطويلة، تقدم طرحاً مغايراً، فهي لا تنكر السياق السياسي الذي يلقي بظلاله
- الثقيلة على الحياة في رام الله، بل تضعه في خلفية المشهد، كضوضاء بعيدة لا تمنع من سماع
- الأصوات الحميمة لشخصياتها. إنها بذلك تعيد الاعتبار للفرد، وتمنحه حق الوجود بكامل تعقيداته
- بعيداً عن القوالب
الجاهزة للمقاوم أو الضحية.
يتبنى الفيلم لغة سينمائية هادئة
تنسج ببراعةخيوط الدراما مع لمسات من الطرافة والدفء الإنساني، مما يخلق علاقة وطيدة بين المُشاهد وشخصياته. نحن أمام حكاية مألوفة تدور في بيئة عربية نعرفها جيداً، لكنها تُروى من منظور نسوي دقيق وحساس.
- تبدأ القصة بحدث بسيط ومفصلي في آنٍ واحد: وفاة الأب. هذا الحدث يفتح الباب أمام صراع لم يكن
- معلناً بين ابنتيه (تؤدي دوريهما ببراعة ياسمين المصري وكلارا خوري) وبين منظومة قانونية
- واجتماعية تمنح الأفضلية
المطلقة للابن الذكر.
تنطلق رحلة الأختين في محاولة للحصول على أموال والدهما المودعة في البنك قبل أن يتم تجميد الحساب وتوزيع التركة وفقاً للقانون الذي يمنح الحصة الأكبر لشقيقهما المهاجر، الذي لم يكن له وجود فعلي في حياة الأب خلال سنواته الأخيرة.
هذا المسعى ليس مجرد بحث عن المال، بل هو صرخة رمزية من أجل الاستقلالية الاقتصادية والاعتراف المعنوي. إنه محاولة يائسة للالتفاف على نظام يعتبر رعايتهما وتضحيتهما أمراً مسلماً به، بينما يمنح الحقوق والمكافآت للغائب لمجرد أنه ذكر.
من خلال هذه الحبكة الذكية
يغوص الفيلم في أعماق قضية التمييز الجندري في قوانين الأحوال الشخصية، وهي قضية شائكة لا تقتصر على فلسطين بل تمتد عبر المجتمعات العربية. لكن عباس تتجنب الخطاب المباشر والمحاضرات الفوقية
- وتفضل كشف هذه التعقيدات عبر سلسلة من العقبات البيروقراطية والمفارقات اليومية التي تواجهها
- الأختان. كل باب يطرقنه، وكل ورقة يحاولن استخراجها، تصبح مرآة تعكس شبكة القوانين
- والأعراف الثقافية التي تكبّل المرأة
وتقيد حركتها.
تكمن قوة الفيلم
في بناء شخصياته متعددة الأبعاد. كل أخت تمثل خطاً درامياً مستقلاً يتشابك مع الآخر. الأخت الكبرى، المتزوجة والأم، تعيش في ظل علاقة زوجية متصدعة، حيث يكشف منزلها عن اختلال عميق في توازن القوى. أما الأخت الصغرى
- فهي شخصية متمردة وصريحة، لا تتردد في التعبير عن إحساسها بالغبن. إنها التي حملت عبء
- رعاية الأب المريض حتى وفاته، وتشعر اليوم بأنها منبوذة وغير مقدرة من عائلتها. جملتها الصادقة
- "لا أحد من عائلتي يحبّني" تكشف عن هشاشة الروابط الأسرية وتمنح الشخصية عمقاً يتجاوز مجرد
- الصراع المادي.
ما يبدأ كخلاف حول المال يتحول تدريجياً إلى
رحلة لإعادة بناء العلاقة المقطوعة بين الأختين. خلافاتهما السابقة تصبح جسراً
للتفاهم، وتدركان أن قضيتهما المشتركة أقوى من أي اختلافات. في مواجهة النظام
الأبوي، تصبح وحدتهما هي سلاحهما الوحيد.
الختام
بهذه الخفة الظاهرية والعمق الباطني، ينجح "شكراً لأنك تحلم معنا" في تفكيك قضية اجتماعية ثقيلة. حتى الدين، الذي يشكل المرجعية التشريعية لهذه القوانين، يُقدَّم كخلفية ثقافية تُستغل لتبرير الظلم، دون أن يكون طرفاً صريحاً في الصراع.
هذا التوظيف الذكي يكشف عن البنية العميقة
التي يستند إليها النظام الأبوي، ويؤكد أن الفيلم ليس مجرد قصة عن الإرث، بل هو
تأمل سينمائي عميق في معنى العدالة والروابط الأسرية وقدرة المرأة على الحلم
والمقاومة في وجه واقع لا يرحم.